سميت «نفرتاري» أي «أحلاهم»، أو «جميلة الجميلات». ومما يؤكد مكانتها الفريدة أسلوب التفضيل في الاسم. فكما يذكر المؤرخون فإن كلمة «نفر» تعني أيضا «طيب» أو «حسن»، وهو ما جعلهم يترجمون اسمها بـ«أحسنهم، أو أفضلهم، أو أطيبهم». ولم تكن «نفرتاري» أول من حمل هذا التفضيل، فلقد سبقتها الملكة «أحمس نفرتاري»، عميدة الأسرة الثامنة عشرة، والتي ألهها المصريون القدماء ـ حسب معتقداتهم ـ بعد وفاتها، وسميت «نفرتاري» تيمنا بها، ويرجح مؤرخون إلى أنها ربما تكون من العائلة نفسها. وعلى غرار زوجها رمسيس الثاني الذي كان مولعا بإنشاء تماثيل له في كل مكان، اتخذت «نفرتاري» لنفسها ألقابا عديدة من أهمها منها «الأميرة الوراثية»، «الزوجة الملكية الكبرى» و«سيدة الأرضيين»، «ربة مصر العليا والسفلى»، وشغلت أيضا منصب «زوجة الإله». وحسب الكثير من علماء المصريات فإن هذا اللقب ذكر مرتين أمام صورتها في مقبرتها في وادي الملكات، وهو اللقب نفسه الذي حملته «أحمس نفرتاري» من قبل، لكن نظرا لروعة جمالها فقد لقبت أيضا بـ«مليحة الوجه» و«الوسيمة ذات الريشتين». ونظرا لمكانة « نفرتاري»الكبيرة في طيبة يعتقد أن زواج «رمسيس الثاني» بها كان لتعضيد مركزه في جنوب الوادي، وفي طيبة خاصة، حيث أن منبته يرجع إلى شرق الدلتا. وفي وادي الملكات في منطقة البر الغربي بمدينة الأقصر، جنوب مصر تقع مقبرة الملكة المصرية الشهيرة، والتي تم اكتشافها في العام 1904 على يد بعثة إيطالية برئاسة الأثري الشهير «سكياباريللي».
تبوأت «نفرتاري» المكانة المفضلة بين زوجات الملك «رمسيس الثاني» الخمس، وعلى الرغم من قلة الوثائق التاريخية، فإننا نستطيع أن نستشف المزيد من أخبارها من خلال آثار ذلك العصر، ولعل من أهمها معبد «أبو سمبل» الصغير في النوبة، وقد بناها رمسيس الثاني احتفاء بزوجته الجميلة وتخليدا لاسمها الفريد. ويرجح الأثريون أن «نفرتاري» تزوجت برمسيس الثاني قبل اعتلائه العرش حيث وجدت صورتها على لوحات جبل السلسلة التي ترجع إلى عام 1290 ق.م حيث تقوم مع زوجها بأحد الطقوس الدينية وهو العام الذي سبق حكمه. لم تفتح مقبرة « نفرتاري» للجمهور منذ اكتشافها إلا في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي، وذلك لحدوث بعض التلف في النقوش والزخارف بسبب ترسب الأملاح، حيث استخدم في نحتها نوعية رديئة من الحجر الجيري.
وقد دفع ذلك الفنانين القدامى لتغطية أسطح الجدران بطبقات من الجص تم نقشها وزخرفتها بالحفر الغائر بمهارة فائقة، ولذلك فقد كان السبب وراء التلف الأملاح الصخرية التي تبلورت تحت طبقة الجص، مما دفعها للسقوط.
وفي زيارة لـ«الشرق الأوسط» لمقبرة الملكة المصرية الشهيرة والتي تعتبر من أهم مقابر وادي الملكات، مقابل تلك المقبرة المهمة للفرعون الشاب «توت عنخ آمون» في وادي الملوك، نلاحظ ذلك القطاع الذي نحتت فيه مقبرة «نفرتاري» من الجبل، والذي كان يعد من أردأ أنواع الحجر الجيري، ولذلك غطيت جدرانها بطبقة سميكة من الملاط نحتت عليه النقوش الحائطية ببروز خفيف وحفز سهولة الرسم والنحت والتلوين على هذه الطبقة، الفنان إلى الانطلاق في تنفيذ رسومه ببراعة شديدة. كما عدل الفنان مرات عدة تصميم اللوحات، بإضافة طبقة جديدة لتغطية الطبقة القديمة التي ظهرت بسقوط بعض أجزاء من التعديل الجديد، وتمت تسوية سقف المقبرة ورسم عليه ما يمثل السماء بتلوين المساحة بلون ازرق داكن زين بنجوم صفراء.
وفي جدران المقبرة، تكاد تظهر الملكة في كل صورها وهي ترتدي رداء شفافا فضفاضا ذا ثنيات من اللون الأبيض ظهر منه ساعداها وقد ربطتهما بشريط معقود أسفل صدرها يتدلى منه طرف الرباط، ووضعت على رأسها تاجا من الذهب على هيئة طائر الرحمة «نخبت». وفي كثير من الأحيان كانت تضع تاجا آخر يعلوه طائر الرحمة، بريشتين بينهما قرص الشمس، وقد تزينت الملكة بالكثير من الحلي من أقراط وأساور وعقود، حيث تظهر المساحيق على وجهها. تصميم المقبرة خضع لما كان سائدا في مقابر ملكات الأسرة التاسعة عشرة في أول عصرها، حيث تشبه كثيرا في تصميمها مقبرة الملكة « توي» زوجة «سيتي الأول».
وعند دخولك للمقبرة لها لابد أن تبدأ بسلم حجري، يتكون من ثماني عشرة درجة، يؤدي إلى مدخل المقبرة الذي يؤدي بدوره إلى قاعة مربعة الشكل تقريبا على جانبيها الغربي والشمالي «ضلفة» بطول قامة الشخص العادي، كانت غالبا لوضع الأدوات والتقديمات الجنائزية، وقد نقش على الحائط أعلى «الضلفة» الفصل السابع عشر من كتاب «لموتى» الخاص بالخروج والدخول إلى العالم الآخر.
يعلو هذا النص، وعلى يسار الداخل مناظر تمثل الملكة وهي تلعب «الضامة»، لعبة «السنت»، وهي لعبة فرعونية شهيرة تلعبها داخل خيمتها، ويلي ذلك صورة الروح على هيئة طائر برأس الملكة، وهي تقف فوق مقبرتها، ثم يجد الزائر الملكة تركع على ركبتيها في وضع التعبد، وعلى الحائط الغربي يلاحظ الزائر رسما عبارة عن أسدين بينهما قرص الشمس.
بعد ذلك يلاحظ الزائر طائر «البنو«، تليه مومياء «نفرتاري» داخل خيمة التحنيط تحرسها «إيزيس ونفتيس» على هيئة أنثى الصقر، وذلك من الجانبين، ثم حورس واقفا، ونتابع هذه المناظر داخل المقبرة، إضافة إلى رسوم لمومياوات «رع حور، آختي»، وهما جالسان على كرسيين وجلس خلفهما «حورس».
وفي الجانب الآخر من المقبرة، يرى الزائر «أوزوريس» واقفا داخل الناووس،وبين الجانبين صف علوي يتوسطه «حورس» وعليه ريش من النعام، والحية المقدسة، وعلى جانبي الحائط المؤدي إلى قاعة جانبية نجد على كلا الجانبين المعبودة «نيت» والأخرى «سايس»، ويلي ذلك على كلا الجانبين عمود «الجد» له يد آدمية، ويلبس التاج الخاص بالمدعو «تاتنن»، جزؤه الأسفل عبارة عن رداء طويل يشبه رداء الملكة «نفرتاري».
وعلى يمين الداخل للمقبرة، يبدو منظر لحورس يقود الملكة «نفرتاري» حيث يقدمها إلى «رع حور»، وتجلس خلفه «حتحور» تضع على رأسها علامة الغرب، وعلى الجانب المقابل «إيزيس» تقود الملكة وتقدمها إلى المدعو «خبري» الجالس على عرشهالحائط الشرقي من المقبرة يشغله منظر مزدوج للتقديمات، حيث يرى السائح في الملكة بذراع ممدودة تمسك الصولجان وأمامها القرابين مرة أمام المدعو «آتوم»، ومرة أخرى أمام «أوزوريس» الجالس على عرشه وأمامه أولاد حورس الأربعة. وعلى الحائط الجنوبي من هذه القاعة منظر من الفصل رقم 184 من كتاب «الموتى»، وهو من ثلاثة صفوف، بالصفين العلويين سبع بقرات وثور، وفي الصف السفلي أربعة مجاديف ترمز لاتجاه قوى السماء.
يلي ذلك على الحائط الغربي نقش للملكة، وهي ترفع يديها للتعبد بطريقتها، وخلفها «إيزيس ونفتيس»، يسندان بكلتا يديهما مومياء محنطة برأس كبش يعلو قرنيها قرص الشمس كتب أمام الوجه «رع»، ومن أسفل نص مكتوب: «رع يستريح في أوزوريس وأوزوريس يستريح في رع»، وهو نص يرمز لاستمرارية الحياة. وعلى حوائط هذه القاعة يرى الزائر «نفرتاري»، وأمامها نص عبارة عن تعويذة في معرفة بوابات مملكة «أوزوريس». ويلي ذلك بوابات يحرسها مردة. وحتى لا تمتد يد اللصوص إلى مقبرة جميلة الجميلات.
No comments:
Post a Comment